الإشعاع الحضاري لقرطاج البّونيّة بحث سنة خامسة

الإشعاع الحضاري لقرطاج البّونيّة



1- المجتمع القرطاجي والحياة السّياسيّة:

أ- مكوّنات المجتمع القرطاجي:
ينقسم المجتمع القرطاجي إلى صنفين هما:
* المواطنون: يعيشون داخل مدينة قرطاج ويتمتّعون بحق المساهمة في الحياة السّياسيّة ولا يدفعون الضّرائب.

* غير المواطنين: يقيمون خارج المدينة ولا يساهمون في الحياة السّياسيّة ويدفعون الضّرائب. 

ب – المؤسّسات السّياسيّة:
المرحلة الأولى : من عام 814- 550 ق.م و هي المرحلة الملكية وكانت عبارة عن امتداد للنظام الفينيقي في بلاد الشام حيث تقوم الأسر الغنية باختيار الملك والإنفاق على الجيش والأسطول و حملات الاستكشاف للبحث عن المواد الخام و الأسواق الجديدة. وكانت الإمبراطورية الفينيقية لا تزال تؤسس المستعمرات في سردينيا وايبيريا وشمال إفريقيا وقامت قرطاج برد الهجوم اليوناني على إقليم طرابلس ومن أشهر ملوك هذه الفترة الملكة عليسة(814-760 ق.م).

المرحلة الثانية : من(550-480 ق.م) وهي فترة أسرة ماقون التي تتابع أفرادها على حكم قرطاج طيلة ثلاثة أجيال من ماقون حتى ولديه أميلكار ثم صدر بعل. وجرت خلالها معارك صقلية. وقد بسطت قرطاج نفوذها على مساحات واسعة قبل أن تتحطم قواتها قرب هيميرا. وفي هذه الفترة نشأت في قرطاج طبقة جديدة من ملاك الأرض الذين ما لبثوا أن حولوا أراضيهم إلى إقطاعيات شبه مستقلة و شرعوا يضغطون لتقليص سلطة الملك و إرغامه على مشاركتهم في الحكم.

المرحلة الثالثة : من( 480-290 ق.م) و هي مرحلة الثورة الشاملة التي شهدت تقويض الحكم الفردي المطلق، وقيام الحرب الأولى بين روما وقرطاج، وانسحاب الأسطول من جبهة البحر المتوسط، وظهور خمس هيئات سياسية جديدة تولت أمور الدولة بدلا من أسرة ماقون وهذه الهيئات هي:

1.الملكان أو السبطان (الشفطان): تتركز السلطة المباشرة في أيديهما. يسميان ملكان أو سبطان ويتم انتخابهما من أسرتين مختلفتين على غرار الملكين الذين كانا يحكمان إسبارطة في اليونان، والقنصلين الذين كانا يتقاسمان السلطة في روما. يقوم الملكان خدمتهما مدة سنة كاملة (تعرف باسمهما) ويجمعان كثيرا من الوظائف و السلطات التنفيذية في مختلف الميادين السياسية و العسكرية والقضائية، فهما اللذان يرئسان مجلس الشيوخ، ويعينان جدول أعماله ويقودان جيوش البر و البحر، وينظران في أمور القضاء.

2. مجلس الشيوخ: يتكون من 300 عضو يتم اختيارهم مدى الحياة من بين الطبقة الثرية. وهو أبرز الهيئات و أعلاها شأنا ، و يتولى جميع شؤون الإدارة العليا، ويقرر أمور السلام و الحرب و يولي قواد الجيش ويعزلهم ، وله الحق –في حالة الضرورة-أن يعقد جلسات سرية و لا يذيع نتيجة التصويت أو يؤجل إذاعتها.

3. محكمة المائة: تلي في الأهمية مجلس الشيوخ . تتكون من 104 أعضاء يتم انتخابهم حسب الكفاءة . مهام المحكمة و سلطاتها مراقبة الملوك و جميع الحكام وتقديمهم للقضاء إذا أخلوا بواجباتهم.

4.الجمعيات: وهي جمعيات سياسية و دينية تعتبر أقساما و شعبا انتخابية . كل عضو في أي من هذه الجمعيات ينتخب داخل شعبته ، لكن رأي الأغلبية يعتبر رأي الشعبة كلها و يحسب صوتا واحدا في الانتخاب العام. وينظر أعضاء هذه الجمعيات في شؤون الدولة، وفي أعمال المجالس الشعبية.

5. مجلس الشعب:هيئة منتخبة من المواطنين تعرض عليها جميع المسائل التي لم يحصل في شأنها الاتفاق بين الملكين من جهة وبين مجلس الشيوخ من جهة أخرى ، وتكون لها الكلمة النهائية. و كانت قرطاج بذلك من الدول الأولى في العالم القديم التي عاشت تجربة النظم الشعبية الخالصة.

المرحلة الرابعة : من عام 290 ق.م حتى سقوط قرطاج سنة 146 ق.م. جمعت هذه الفترة بين مظاهر المرحلتين الثانية و الثالثة، فتركزت السلطة في يد آل برقة، إلى جانب المجالس الهيئات و المجالس السياسية في نظام ملامحه على النحو التالي:

1.السلطة العليا:في يد برقة الذين حكموا بمثابة ملوك. و إذا كان لفظ ملك قد زال لفظا، فقد ظل وظيفة، إذ أن نوعية سلطة آل برقة كانت سلطة ملكية.

2.مجلس الشيوخ: شبيه بمجلس الشيوخ في المرحلة السابقة ، لكن صلاحياته و سلطاته هذه المرة كانت أضيق نطاقا، و تقلص صلاحيات المجلس الشيوخ يعود إلى أن حكام هذه الفترة كانوا يعتمدون على قاعدة شعبية و واسعة بدل الطبقة الثرية و أصحاب الإقطاعيات، وهذا المجلس هو الذي بادر إلى عقد المعاهدة المميتة مع سقيبيو بعد موقعة زاما، وهو الذي شهد بعد ذلك تدمير قرطاج.

3.الهيئات الشعبية: و هي التنظيمات الشعبية التي أعتمد عليها آل برقة- من أميلكار إلى حنبعل - في مواجهة لمواصلة القتال ضد روما ، وأبرزها هيئتان: الأولى مجلس الثلاثين الذي يتولى فرض الضرائب و الموازنة المالية، والثانية مجلس العشرة الذي يتولى شؤون المعابد والقضاء والداخلية. وصف أرسطو حكومة قرطاج في 340 ق م وقال أنها كانت أساسا حكومة أغنياء المدينة، وأن أساس نجاحها كانت نموها الاقتصادي المتواصل وتوسعها، فهكذا كل مواطن رأى أن حاله كان يتحسن. وكان أكبرهم الـ"شوفط"، قاض القضاة، وقائد الجيوش الذي لم يدخل في حكومة المدينة، وفي القديم أيضا كان لهم ملوك. تحتهم كان مجلس الشيوخ وتحتهم مجلس المدنيين. واختيار الشفطين أو القائدين والملوك كان حسب قراتهم ودرجة ذكائهم ومالهم، ولا يرتبط بعائلتهم. وذكر أرسطو أن من أراد أن يجادل رأي الملوك والشوفطين يستطيع أن يفعل ذالك لما خاطب الملوك والشوفطين الشعب. ولمعظم تاريخهم كان جنودهم أجراء وليس حلفاء، وأحيانا أصبح هذا مشكلة
 


2- مظاهر الازدهار الاقتصادي:

أ- التوسع التجاري:
لقد شهدت التّجارة القرطاجيّة توسّعا كبيرا وانتشارا هائلا فبلغت القوافل التّجاريّة إفريقيا الاستوائيّة أمّا البحّارة فقد انتشروا على كامل الدّول المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط مثل سرقوسة وصيدا وأثينا وروما ومساليا ومالقا ورسعون والرّباط، حتّى وصلوا المحيط الأطلسيّ فكانوا يتاجرون مع دول المتوسّط في الفضّة والنّحاس والحديد والخزف الرّفيع والصّباغ والبخور والأقمشة ومع دول المحيط الأطلسيّ في الذّهب والعاج والفيلة.


وأمام هذا الانتشار التّجاري توسّعت الموانئ البحريّة وانقسمت إلى موانئ عسكريّة وموانئ تجاريّة.

ب- ازدهار الفلاحة:
بالإضافة إلى التّجارة، اهتمّ القرطاجيّون بالفلاحة، ويتجلّى ذلك مثلا من خلال الهيمنة على منطقة الوطن القبلي حاليّا الّتي كانت بها جنّات وبساتين ترويها عيون وقنوات، وبها كروم وزياتين، وأشجار مثمرة كثيرة، وبها سهول ترعى فيها الأبقار والأغنام والخيول. كما اهتمّ العلماء بالفلاحة وبحثوا فيها وألّفوا فيها عديد المؤلّفات نذكر من أهمّها موسوعة ماغون وهو عالم فلاحيّ قرطاجيّ.

ج- ازدهار الصّناعات الحرفيّة:

اعتنى القرطاجيّون بصناعة الأقمشة وصبغها باستعمال الصّباغ المجلوبة من الشّرق، وكذلك ازدهرت صناعة الفخّار مثل صناعة الجرار.

إرسال تعليق

1 تعليقات