سفر سفر نعيم بسيسو اخر قصائد الشاعر البطل

سَفَرٌ
سَفَرْ
موجٌ يُتَرْجِمُني إلى كلِّ اللّغاتِ
ويَنكسِرْ
موجاً على كلِّ اللّغاتِ
وانْكسِرْ
وَتَراً
وَتَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
سُفنٌ كلابُ البحرِ أشرعةُ السُّفُنِ
وطنٌ يُفتِّشُ عَنْ وطنْ
زَمَنٌ
زَمَنْ؟
الهُدْهُدُ المخْصِيُّ كاتِبُهُ
وحاجِبُهُ ذُبابهْ
زمنٌ تكون به وحيداً
كالفراشة في سحابهْ
ياَ من يعلّمني القراءة والكتابهْ
ياَ من يُسمِّنُني بأشرعتي وأجنحتي
لسكينِ الرّقابهْ
تحيا الكتابهْ
تحيا الرّقابهْ
يحيا على فميَ الحجرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
مَطَرٌ على الشبّاكِ
في لون البنفسجِ والخُزامى
مَطَرٌ على المرآة
في لونِ الدّوالي والنّدامى
مَطَرٌ على البحرِ المسيّجِ
زبدٌ وعوسجْ
موجٌ يُعبّىءُ بالنّوارسِ
لي المُسدّسِ
طلْقةٌ في القلْبِ
نوْرسْ
يَا يَا زمانَ الماءِ
سكّينٌ هو القنديلَ
سكّينٌ
إذا اشْتعلَ الفتيلُ
دَمِي يسيلْ
جبريلٌ يَا جبريلُ
يَا جبريلْ
لا وطنٌ ولا تنزيلٌ
شجرٌ على الأمواجِ أشرعة الرّحيلْ
* * *
شجرٌ على الشبّاكِ يفتحههُ
ويدخل في دمي
شجراً
ويخرجُ من دمي
شجراً
شجرْ
ظلٌّ على الأمواجِ
ساعة حائط
راحت تدق الموجَ في قلبي
إبرْ
اللّيلُ مُرْ
الحبرُ مُرْ
اللّيلُ قرّْ
الرّيحُ صرّْ
أصابعُ الكفّينِ طيْرْ
النّجمُ ذئبْ
البحرُ كلْبْ
الشّمسُ نحلهْ
دارتْ ودارتْ فوق رأسِي
تطمئِنُّ وتبتعِدْ
زبدٌ
زبدْ
تفاحةٌ مثقوبة بفراشةٍ
وفراشةٌ مثقوبة برصاصةٍ
ورصاصة مثقوبة بجرادةٍ
حطّت على كفّي
وأضناها السَفَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
البرقٌ شوكٌ في يديَّ
الرّعدُ عُشْبْ
غَزالةُ الأمطارِ تركض في المرايا المغلقهْ
يَا كمْ رضَعْتُ من المرايا
وانْكسرْتُ على المرايا
وانفجرتُ على المرايا
بُرْعُمًا في مِشْنَقَهْ
هذا الدّخانُ يفيضُ ملءَ يَديْكِ
ليس سوى حليبِ المحرقهْ
فخُذي من الطّاحون ما تعطيهِ
رملاً أو ضباباً
الآن كيفَ ترى لأرضكَ؟
كلّما زدّتَ اقترَاباَ
كلّما زدّتَ إغتراباَ؟
الآن كيفَ تَرَى لِنَجْمِكَ
كُلَّما زادَ ابْتِعَاداَ
كلّما زدْتَ امتداداَ
موجةٌ أُخرى وساقِيَّتي تدورُ
وفي دمي تمشي يدايْ
أمشي تُخبِّئني يدايْ
أمشي وتسبقني يدايْ
أمشي وتتبعَنْي يدايْ
أمشي وتكتبني يدايْ
أمشي وتقرأني يدايْ
أمشي وتذبحني يدايْ
فَيَا يديَّ
ويَا يديْ
وأظلّ أصرُخُ ياَ يديَّ
ويا أنا
صارَ الشِّراعُ قناعَ وجْهِي
من أناَ؟
القَرْمَطِيُّ؟
البَرْمَكِيُّ؟
القُرْطُبِيُّ؟
اللَّيْلَكِيُّ؟
الزِّنْبَقِيُّ؟
الدَّائِرِيُّ؟
اللَّوْلَبِيُّ؟
الأمْرِيكِيُّ؟
السُّوفْيَتِيُّ؟
أظلُّ أصْرُخُ والشِّراعُ قناعُ وجهي
من أناَ؟
طارت أنا
حطّتْ أنا
طارَ الحجلْ
حطَّ الحجلْ
طارتْ نعمْ
حطّتْ نعمْ
لا. لا. لا. لا
لا. نعمْ
نعمْ. لا
لا. نعمْ
طارَ الحجلْ
حطَّ الحجلْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
سلاماً أيّها المتراسُ
إن ضاقتْ بكَ المُدُنُ
فما ضاقت بكَ السُّفُنُ
ويا قدماً زرعتُ القمحَ فيها
وهي ترتحِلْ
شراييني التي قُطعتْ
شراييني التي تصلُ
لماذا لم أزلْ حيّاً؟
أنا المطعون بالزيتونِ والعَنْبِ
أ ساعةُ حائطٍ للنَّارِ
في السُّحُبِ؟
أ تمثالٌ من اللَّهبِ؟
على قدميهِ قربانٌ من الحطب؟
أم الكبشُ الذي تركوهُ
للمَعْزَى من العربِ؟
وأين غزالةُ العربِ؟
وأيْنَ يمامةُ العربِ؟
ورُمحُ الدّولةِ العربِي؟ِ
وترسُ الدّولةِ العربِي
وشمسُ الدّولةِ العربِي؟
الكتابُ الأخضَرُ العربِي؟
وسَيْفُ الدّولةِ العربِي؟
إذا جئناهُ معتصِماً
وجدْناهُ أباَ لهََََبِ؟
وخُذْ ماَ شئْتَ من حمّالةِ الخَطَبِ
من الخَطَبِ
وخُذْ ماَ شِئتَ من خُطبِ
معلَّبةٍ
كَماَ السّرْدينُ في العُلبِ
عُراةٌ كالمرايا
ما لها كفنٌ
وجلاّدٌ جوارِبُهُ
هي الوطنُ
أُبْرُكْ على الجرْحِ واشْرَبْ
أيُّها الجملُ
لقدْ عطشتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ مشيْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
لقدْ صَبَرْتَ طويلاً أيُّها الجملُ
فَهَوْدَجٌ أنت للسُّلطانِ مُرتحِلُ
وأنتَ قربانُ من حطُّوا
ومن رحلوا
لا شارِعُ لكَ فيهِ
شُبّاكٌ
ولا وطنُ
لكَ فيه لاَ بطلُ
ولاَ وثَنُ
عطشانُ لاَ عودُ ماءٍ
أنتَ تملِكُهُ
لكنْ لِخِطْفِكَ يمْشي البحْرُ
والسُّفنُ
جَوْعَانُ وهو عَلَى السِكِّينِ
سُنْبُلَةٌ
عُرْياَنُ وهو عَلَى صَحْرَائِهِمْ
غُصْنُ
والشَّمْسُ دُودَةُ قَزٍّ
كُلُّ ماَ سَكَبَتْ
مِنَ الحرِيرِ لَهُمْ
لكِنْ لَكَ الكَفَنُ
تُهدِي الجَرْحَ لَهُمْ طيْراً وفاَكِهةً
أمّا هديّتُهُمْ
فالمذبحُ العفِنُ
غادرتَ بيروتَ
ما بيروتُ قُرْطُبَةٌ
ولستَ أنْدَلُساً
ياَ أيُّهَا الوطنُ
إنّي أناَ المُتنبّي فوقَ عَصْرِكُمُ
حِذاءُ عصْري
أناَ المُستقْبَلُ الزَّمنُ
إنّي أناَ المُتنبّي سوفَ يقتُلُني
سَيْفُ لَهُ ذَنَبٌ
في عَنْقِهِ رَسَنٌ
لكِن سأصعدُ من سكِّينِكُمْ
قمراً
على ضفائِرِهِ يَسْتيقظُ الوطنُ
ضفادعُ
وردةٌ
بصلُ
منِ البطَلُ؟
ولاَ بَطَلُ
وعصْرٌ نصْفُهُ حطبُ
وعصْرٌ نصْفُهُ لهَبُ
وعصْرٌ كُلُّهُ عَجَبُ
ولاَ عَجَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ حَسَبٌ
ولاَ نَسَبُ
وعصرُ ماَ لَهُ أمُّ أبُ
عصرٌ هو العجبُ
ولاَ عجبُ
فَشُرطِيُّ لهُ أسماؤهُ العربيّةُ الحُسْنَى
على كَرْباَجِهِ الحِرْباَءُ
تَشْربُ من دمي لوناً
فَبُورِكَتِ الزّناَزِينُ التّي صَارتْ
لناَ وطَناَ
وبورِكَ إِسْمُهُ العَجَبُ
ولاَ عجَبُ
فَشُرْطِيُّ عَنْ الأكْتَافِ
قد نَزَلاَ
و شُرْطِيُّ على الأكْتاَفِ
قدْ ركِباَ
و شُرْطِيُّ على جاَوِيشِهِ
انْقَلَباَ
وَجاَويشٌ على جِنِرَالِهِ
قُلِباَ
وَمُخْصِيُّ على المخْصِيِّ
قَدْ وَثَباَ
وَأنْجَبَ مَسْخَهُ العَجَباَ
ولاَ عجبُ
هُمُ العربُ
ولاَ عربُ
وقلبي في يدي جرسٌ
يدقُّ
فيعلنُ العَسَسُ
انْقِلاَباً اسْمُهُ القدسُ
ومُعْتَمِدٌ ومُعْتَضِدٌ وأَلْقابٌ وأنْدَلُسُ
ولاَ قُدْسُ
هُمُ العَسَسُ
هُمُ العَسَسُ
عَسَسٌ
عَسَسْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
سَفَرٌ هِيَ النِّيراَنُ فَوْقَ الوَجْهِ
طِينْ
والشَّمْسُ حَبَّةُ اسْبِرِينْ
جُنَّ النَّبِيُّ فَدَاوَاهُ بالياَسَمِينْ
جُنَّ النَّخيلُ مِنَ الرَّحِيلْ
وَالبُرْتُقَالُ الإِنْتِهَازِيُّ كَفُّ الماَءِ
كَيْفَ الرِّيحُ قَدْ مَالَتْ
يَمِيلْ
خاَنَتْكَ عاَئِشَةٌ وَخاَنَ المُسْتَحِيلْ
ياَ أَيُّهاَ الدَّمُ لَوْ تَقُولْ
ياَ أَيُّهاَ الفَمُ لَوْ تَقُولْ
قُلْهاَ وَعِشْ حَتَّى تَرَى
حَتَّى أَرَى
وَطَناً عَلَى رَايَاتِهِ
اِجْتَمَعَ الفَرَاشُ مَعَ الذُّبَابْ
وَطَناً عَلَى أَجْرَاسِهِ
اِخْتَلَطَ اليَمَامُ مَعَ السَّرَابِ
وَجَرَى الرَّنِينْ
وَشَبَّتْ النِّيرَانُ فِيهِ
جَرَى الرَّنِينُ
سَلاَسِيلاَ
اخْضَرَّ الرَّنِينْ
جَدَاوِلاَ
اصْفَرَّ الرَّنِينُ
سَنَابِلاَ
كَمْ قَالَتْ الأَمْوَاجُ
لاَ تَذْهَبْ بَعِيداً فِي المِياَهْ
كَمْ قَالَتِ الأمْواَجُ
لَوْ تَرْسُو قَلِيلاً فِي المِياَهْ
تَبْقَى قَلِيلاً فِي المَوَانِىء
كَيْ نَرَاكَ وَلاَ نَرَاكْ
يَا مَنْ رَآنِي طُولَ عُمْرِي
فِي الشَّبَكْ
مَاتَ السَّمَكْ
عَاشَ السَّمَكْ
سَقَطَ المَطَرْ
ذَابَ الشَّجَرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
كَلْبٌ عَلَى الشُّبَّاكْ
فِي فَمِهِ القَمَرْ
قَيْسٌ وَلَيْلَى فَوقَ سُرَّتِهَا
حَجَرْ
وَعَلَى يَدَيَّ العَنْكَبُوتْ
تِينٌ وَرُمَّانٌ وَتُوتْ
الشَّوْكُ فَتَّحَ فِي فَمِي
والنَّحْلُ فِي رِئَتِي يَمُوتْ
ياَ مَنْ يَمُوتُ
وَلاَ يَمُوتْ
حَاوَلْتُ وَصْفَكَ فِي المَوَانِىء
مَا الذِي أَصِفُ
وَلاَ أَصِفُ؟
يَا أَيُّهَا القُرْبَانُ فَوْقَ أَصَابِعِي
يَقِفُ
وَالرِّيحُ عَاتِيَةٌ وَالكَفُّ تَرْتَجِفُ
وَأَنْتَ تَرْتَجِفُ
يَا أَيُّهاَ الصَوَّانُ وَالخَزَفُ
ياَ أيها الدم يطفو فوقه الصدفُ
حاولت وصفكَ فِي المَوانِىءِ
ما الذِي أَصفُ
ولاَ أصِفُ؟
وذِراعُكَ العَنْقودُ
كَمْ عَصَرُوا
كَمْ قَطَفُوا
حاولتُ وصفكَ فِي المَوانِىءِ
هاهناَ
فوقَ الشِّراهِ رَسمتُ شُبّاكاً
ورُحْتُ أَعُضُّهُ
لأَشُقَّهُ
وأَطِلُّ منهُ عَلَى دَمِي
عَلَى وجهِ المِياهْ
ويخْتَفي
زَبدٌ دَمِي
وَأَنا المطوَّقُ كالحمَامةِ بالدَّمِ
وأَنا
أَنا
وأَنا على لوح اللّهبْ
والماءُ فتَّحَ فوقَ عَنْقي
مثلَ كأسٍ رَاحَ يطفو
فَوْقَ عَنْقودِ العَنْبْ
صُبُّوا عليّ بِحارَكُمْ
صُبُّوا عليّ رِياحكُمْ
سَأظلُّ فوقَ الموجِ
لستُ غريقَكُمْ
فأنا الغرَقْ
ولَسَوْفَ أجْبِلُ موْجَكُمْ
خشباً
وأعجنهُ ورقْ
وَعَلَى أصابعِ موجةٍ أبني سريراً
وأُعلِّقُ المصْباحَ
والوطنَ الصّغيراَ
الآنَ عاصمةٌ جديدهْ
الآنَ نافِذَةٌ جديدهْ
الآنَ عَنْوانٌ جديدْ
هذا زمانُ الماءِ
كيفَ تُألِّفُ البيتَ الجديداَ؟
الآنَ أين تُعلِّقُ الشُّهداءَ
والشُّعراءَ؟
أَين تقولُ للشُبّاكِ
كُنْ نافورةً
وتَقولُ للكُرسيِّ كُنْ حوتاً
كبيراً أو صغيراً
الآنَ كيف بدونِ عينيها
أكونْ؟
مَطَرٌ بلونِ الياسمينْ
سحابةٌ قصَّتْ ضفائرَهاَ
لتكسو السّندِيانْ
سَفَرٌ بلونِ السّنديانْ
مَطرٌ بلونِ السّنديانْ
موتٌ بلونِ السّنديانْ
وأنتَ رمّانُ على الرُمّانِ
مكسورٌ
وريحانٌ على الرّيحانِ
مذبوحٌ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تدورُ
ولاَ تَدورْ
وأنتَ عليكَ أن تبقى تسيرْ
ولاَ تسيرْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى تطيرُ
ولاَ تطيرْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى تميلُ
ولاَ تميلْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى تقولُ
ولاَ تَقولْ
و أنتَ عليكَ أن تبقى القتيل
ولاَ قتيلْ
وأنتَ إنْ وجدوكَ
مكسوّاً
بريشِ الشّمسِ
شوكاً
أحرقوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ عُصفورٌ
جناحاً
حطَّمُوهْ
وأنتَ إن أعطاكَ
قبرُ أبيكَ
شُبّاكاً صغيراً
أغلقوهْ
ياَ منْ يتوهُ
وَلاَ يتوهْ
منْ أيِّ محْبرةٍ شَرِبْتْ؟
بأيِّ مقلاعٍ رُجمْتْ؟
بِأَيِّ مِزْمَارٍ ذُبِحْتْ؟
وَاهِ ياَ فَمَناَ المُدَنَّسْ
آهِ ياَ دَمَناَ المقَدَّسْ
آهِ ياَ سفرَ الهداهِدِ
في القصائدْ
آهِ ياَ نَوْحَ البَجَعْ
حطَّ الحمامُ على الشَّجرْ
سقطَ المَطَرْ
ذاب الحمام على الشّجرْ
سَفَرٌ
سَفَرْ
* * *
فلتَأخُذِ الحرْباءُ فرشاتي وألواني
ووجهي
كي تنامَ
وكي أنامْ
لوْ أنْ صوتَكَ يكسِرُ الصّخْرَ الغمامْ؟
لو أنَّ صوتَكَ يستريحُ
على يديَّ
لكي أنامْ
تعبتُ من صوتِ الرُّخامِ
تعبتُ من وجهِ الرُّخامْ
* * *
يأتي هديرُ البحرِ
مكتحلاً بلونِ البُرتقالْ
يأتي رذاذَ الشّمسِ
مصبوغاً بحنّاءِ الغزالْ
يأتي خريرُ اللّيْلِ
مكسوراً
وتنفجرُ الظّلالْ
جُمّيْزَةٌ كانتْ هناَ
ذهبتْ بعيداً في الرّمالْ
ياَ طائرَ الرُخِّ الذِي قصُّوا جناحِيهِ
تعالْ
مُعلَّقٌ أناَ من شراييني
غسيلُ اللّه في كلّ الحبالْ

إرسال تعليق

0 تعليقات