اللعب في الطفولة المبكرة انواعه وفوائده

تختلف الزوايا التي يمكن النظر منها إلى انواع اللعب. فيمكن تقسيمها إما بحسب وظيفتها أو بحسب قواعدها أو بحسب شروط اللعب فيها أو بحسب الظروف التي تجري فيها. ومن هنا تختلف التسميات التي تطلق على أنواع اللعب.

أولا: أنواع اللعب•أنواع اللعب بحسب الوظيفة:
-ألعاب تمرين الحواس (jeux d'éveil):
وهي كما يدل اسمها العاب تهدف إلى تحفيز الحواس الخمس لدى الطفل (السمع، الشم، النظر، اللمس، الذوق) وتقوم على إثارة فضول الطفل وتدريبه على الأنشطة المختلفة من قبيل التقاط الاشياء، تفحصها، النقر عليها، هزها... إلى ما هنالك. ومن نماذج هذه الألعاب:
- الأشكال ذات الألوان.
- الألعاب ذات الملمس المختلف (أقمشة مختلفة...).
- الألعاب ذات الأصوات(خشخيشة، دف، آلات موسيقية...)
- الأنشطة المتعلقة بالطعم (مالح، حامض، حلو، مر...)
- الأنشطة المتعلقة بالرائحة (الروائح الجميلة، الروائح الكريهة، روائح الطعام...)
-ألعاب تنمية المهارة اليدوية والحركية:
تعطي الطفل القدرة على الاستكشاف والتعرف على جسمه واكتساب مهارات متنوعة بواسطة تحريك أعضائه أو حركات جسمه ( قفز، ركض، جر، رمي، التقاط...). إن تكرار نفس الحركات يسمح للطفل بتنمية إمكانياته الجسمانية مثل التوازن والمرونة وتناسق العضلات. وتساعد الطفل على التوجه في المكان، وعلى امتلاك الثقة بالذات.
-ألعاب تنمية الإدراك البصري:
وفيها ألعاب ملاحظة الصور (اكتشاف الفوارق أو العلاقات بين الأشياء) وهي تساعد الطفل على اكتساب القدرة على التمييز ما بين الأشكال والألوان والأبعاد، وعلى ترابط الأفكار، والمطابقة، والتجميع وتمييز التشابه. كما تساعد على التعرف على مفاهيم المكان (شمال، يمين، فوق، تحت...) وتنمي المفردات. مثل ألعاب البطاقات.
 -ألعاب القواعد البسيطة:
مثل لعبة السلالم والحية. وهي الشكل الأول من العاب المجتمع. وتشكل تمريناً للذاكرة البصرية وللمنطق وللتركيز وللصبر والمثابرة.
- ألعاب التركيب والتجميع:
 وتقوم على التجميع وعلى التركيب وعلى الربط بين عدة عناصر من أجل انتاج تركيب واحد. وتساعد هذه الألعاب على التركيز والصبر. وتساعد على التنسيق ما بين العين واليد. كما تساعد ألعاب التركيب على مهارات التنسيق في الحركات والمهارات اليدوية، وتهيئه لاستيعاب مفاهيم الحجم والعدد والشكل والوزن، كما تعطيه شعوراً بالانجاز.
- اللعب الرمزي:
 ويظهر حوالي السنتين. يصبح الطفل قادرا على تمثل شيء بواسطة شيء آخر. ويستخدم الطفل قدرته على التظاهر من أجل استعادة تصرفات الكبار في الحياة اليومية. يقلد أشخاصاً معينين، حيوانات، افعال، الخ. ومع تقدم الطفل في العمر تصبح ألعابه الرمزية أكثر اقتراباًَ من الواقع. في البدء يلعب الطفل بمفرده وبدون حاجة لوجود فعلي للأغراض، ثم تدريجياً نراه يحتاج أن يلبس مثل الشخص الذي يقلده حتى يصبح أكثر حقيقياً. ومن هنا أهمية وجود أغراض مساعدة على هذا اللعب، مثل الدمى، او الأدوات المنزلية أو الطبية او ادوات الزينة.
-اللعب الابداعي:
 ويبدأ منذ لحظة امساك الطفل بالقلم. وشأنه توسيع مخيلة الطفل وقدراته الابداعية، مثل اللعب بالألوان والرسوم ما يساعد الطفل على تنمية ذائقته الفنية وتدعيم احساسه بفرديته.
-ألعاب التعبير:
 وهي ألعاب يختبر فيها الطفل عدة طرق في التواصل مع جسمه إما بواسطة الحركات او الإيماءات او الكلمة. مثل اللعب المسرحي والرقص والموسيقى. يتحرك الطفل مع الايقاع وتبعاً للانفعالات ويمكن تدريب الطفل على مثل هذه الألعاب في عمر مبكر جداً. ويساهم هذا النوع من الألعاب في إطلاق طاقات الطفل وفي تدعيم قدراته الشفهية والسردية
-ألعاب المعارف العامة والتفكير:
 وهي تسمح باكتساب مفاهيم جديدة وأفكار ومعارف في مختلف المجالات. و ئستثير التفكير والتركيز والميل للبحث وللتحليل. وتساعد على تنمية التعبير الشفهي واكتساب المفردات. مثل الحزازير وألعاب المنطق والرياضيات.
وبالطبع فإن تقسيم اللعب بحسب الوظيفة هو فقط من باب عرض تنوع الألعاب أكثر منه من باب التخصيص. ويصعب في الواقع حصر اللعبة بوظيفة محددة، فإذا كانت ذات وظيفة إبداعية يمكن أيضاً تصنيفها في باب الوظيفة التعبيرية أو في باب تنمية المهارات أو الحواس، وقس على ذلك.
•أنواع اللعب بحسب المكان:
-اللعب الداخلي (Play-Indoors):
إن اللعب داخل الجدران من الأمور الشائعة لدى الأطفال. ولا يخلو منزل أو مؤسسة للأطفال من إمكانيات اللعب إن بشكل مدروس ومقصود مثل حيازة ألعاب محددة، او بشكل عفوي من خلال وجود الكثير من أغراض المنزل التي يمكن للطفل اللعب بها. وتحاول مناهج الطفولة المبكرة الاستفادة من هذا النوع من اللعب من أجل الوصول إلى أهدافها التربوية.
والشكل النموذجي الحديث لهذا النوع من اللعب يتطلب وجود غرفة تتناسب محتوياتها مع حجم الطفل ويمكن عرض أعمال الأطفال فيها بسهولة، ومن الأفضل أن تكون مساحتها مقطعة إلى أجزاء مختلفة من اجل تنويع تجارب الأطفال وانشطتهم، وفيها إمكانية للعب الطفل بمفرده أو مع الآخرين. ولكي نعرف مدى ملاءمة قاعة اللعب الداخلي علينا التأكد من أنها:
-تتصف بتزيين جميل ومتنوع، ومن المناسب أن تعتمد على بعض أعمال الأطفال.
-تتضمن مختلف المواد التي يحتاجها الطفل في عملية الاستكشاف: الرمل، الماء، الحبوب، الأقمشة، الأوراق...الخ
-تحتوي على مفروشات متناسبة مع حجم الأطفال وآمنة (نظيفة، عدم وجود زوايا حادة...الخ)
-تطل على الخارج، أي مضاءة طبيعياً بشكل جيد.
-فيها ألعاب متنوعة: خيالية، يدوية، كتب، أدوات موسيقية، أدوات زينة، أدوات مطبخ، دمى...الخ.
-واسعة كفاية بحيث يتحرك فيها الأطفال بحرية وراحة (بحسب معايير النايكNAEYC  لمساحة يجب أن تكون في حدود  35 قدم مربع لكل طفل أي ما يوازي 3،25 متر مربع).
وبالطبع يمكن إغناء المساحة بالكثير من العناصر إذا رغب الأهل واستطاعوا، من ذلك مثلا وضع أشكال متنوعة من الحياة مثل نباتات تنمو او حيوانات صغيرة (صوص، سمكة، عصفور، سلحفاة...) او تأمين بث موسيقي ناعم بين الحين والآخر. ويبقى أن من الأمور الهامة أن تؤمن القاعة نوعاً من الهدوء والسكينة للأطفال.
-اللعب الخارجي  (Play-outdoors):
إن اللعب الخارجي امر ضروري لنمو الأطفال وتعلمهم. والمؤسف أن هذا اللعب أخذ يتضاءل مع تغير نمط العيش الذي بات اكثر انغلاقاً على الذات وتطلباً للبقاء في الداخل لأسباب عملية أو امنية او أيضاً بسبب الوسائل التكنولوجية الجديدة من تلفزيون وانترنيت وألعاب الشاشة المتنوعة الجاذبة للأطفال، إضافة إلى ضمور المساحات الخارجية للعب.
من هنا ضرورة أن تؤمن المدارس فرصاً أكبر للأطفال للعب في المساحات الخارجية. لا بل أن من معايير الجودة في الروضات الحديثة اليوم يذكر مدى تأمينها لإمكانية القيام بأنشطة لعب خارجي يومية ولوقت مناسب مهما كانت الظروف (يجب تأمين مساحة مسقوفة في الشتاء وفي الصيف تفادياً للمطر وللشمس)، وأن تؤمن للأطفال مساحة كافية للركض وركوب الدراجات الثلاثية العجلات وممارسة الجري على هواهم، ومساحة مغطاة بالرمل، ووسائل رياضية (مراجيح وزحليطة و...) وطابات وإطارات ...الخ، كما يجب تأمين مقاعد أو اماكن للاستراحة (وبحسب معايير النايك NAEYC المساحة الخارجية يجب أن تكون على الأقل 75 قدم مربع لكل طفل أي ما يوازي 6،96 متر مربع).
وتتدرب المعلمات على الاستفادة من الطقس المشمس للقيام ببعض الأنشطة في الهواء الطلق (في مكان مظلل)، لأن في ذلك فائدة كبيرة للأطفال من الناحية الصحية والنفسية. إذ يحتاج الأطفال إلى استكشاف الطبيعة المحيطة بهم وإلى تمرين مهارات العضلات الكبيرة. ويمكن للمعلمة أن تقرأ للأطفال قصة في الخارج، او تقوم وإياهم بنزهة استكشافية في المكان، والتعرف على الشجر وأسمائه وعلى النباتات الموجودة أو مراقبة الحشرات. كما يمكن للأطفال الرسم على حيطان خارجية مخصصة لذلك.
وبالطبع فإن اللعب الخارجي يتطلب مراقبة وإشراف من قبل المعلمات ومساعداتهن، عدا عن ضرورة تأمين شروط السلامة القصوى (السور، البوابة المغلقة، الأدوات الرياضية المناسبة لأعمار الأطفال، وبأعداد كافية حتى لا تسبب مشاحنات دائمة). ومن شروط السلامة أيضاً أن يتم فصل نشاط لعب الأطفال عن نشاط لعب الكبار منعاً للازدحام وحتى لا تحدث مصادمات.
إن اللعب في الخارج يضع الأطفال أمام اختبار صداقات جديدة ومتنوعة. وقد يبدو هذا الاختبار صعباً على الأطفال خصوصاً اولئك الخجولين او الهادئين. لذلك على المعلمة الانتباه لما يجري في الخارج والتدخل بشكل ملائم لفض اي اشتباك او منع اي اعتداء.
وقد يحدث ان لا يرغب بعض الأطفال بالخروج إلى الملعب. والمعلمة عليها هنا أن تحترم رغبة الطفل وإن تسمح له بالبقاء في الصف إذا أراد، ولكن من جهة أخرى عليها ان تفهم سبب تمنعه، وربما احتاج منها الأمر أن تساعده على بناء علاقة مع صديق لكي يشعر بالدعم في الخارج.
إن الكثير من الروضات في لبنان تعاني من غياب مساحات كافية للعب، وتشير احصاءات دراسة ميدانية حول رياض الأطفال في لبنان إلى أن حوالي نصف روضات لبنان فقط يوجد فيها ملعب خاص بالروضة  . وفي إحدى زياراتنا لروضة في بيروت لاحظنا أن ليس فيها سوى ملعب صغير من الباطون يلعب عليه الكبار والصغار معاً مما يجبر أحياناً المعلمات على التضحية بوقت اللعب الخارجي خوفاً على سلامة الأطفال، فيبقى هؤلاء مسجونين داخل الصف طوال الوقت وتقع المعلمة في عبء صرف الوقت جاهدة لتخفيف الفوضى والاهتياج الناجمين عن منعهم من تصريف الطاقة المختزنة لديهم، وإذا ما نجحت في لجم الأطفال يمكن لنا توقع تعبيرات مختلفة منها المماحكة، او عدم الاستجابة للقواعد المفروضة، او أيضا التبرم وعدم الانجاز.
ويندر أن نشاهد في لبنان مجموعة من الأطفال مع معلمتهم يسيرون في الشارع أو في مكان عام (اللهم إلا أحيانا نادرة في حديقة عامة أو معرض كتاب أو سينما) كما يجري الأمر في دول العالم. وبالطبع فإن الخوف على الأطفال هو السبب الأساسي في ذلك، فليس من السهل أخذ الأطفال في الشارع دون أن يكون هناك مكان مخصص للمشاة أو لاجتياز الشوارع أو دون احترام إشارات السير وبالتالي لن يكون سهلا على معلمة قيادة مجموعة من الأطفال في الشارع. وهذا الأمر يحرم الأطفال فرصة الاحتكاك بمدينتهم والتعرف عليها وعلى ابنيتها وطرقها ومساحاتها، ويحرم المدرسة والمجتمع من فرصة تحقيق تربية مواطنية مطلوبة منذ الصغر.
•اللعب بحسب أنماط المشاركة:
يقوم الأطفال الصغار بأنماط مختلفة من سلوك اللعب. ولقد بينت بارتن  (Parten1932)  وجود ستة أنماط من اللعب لدى أطفال الروضة (من عمر سنتين وحتى خمس سنوات). ولاحظت أن هذه الأنماط غير هرمية، بمعنى ان الطفل يمكن أن يقوم بأي نمط من هذه الأنماط تبعاً للظروف، مع إشارتها كذلك إلى أن المشاركة في الألعاب الاجتماعية (لعب متشارك وتعاوني) تزيد لدى من هم في عمر أكبر :
-عدم الاهتمام disinterest: قد لا يلعب الطفل بتاتاً. نراه يجلس ويراقب الآخرين ويقوم بنشاطات غير هادفة.
-لعب مستوحد Solitary independent : يلعب الطفل بمفرده مع العابه المختلفة عن تلك التي يلعب بها الآخرون. ولا يحاول التفاعل مع هؤلاء.
-لعب مراقب  Onlooker behavior: يمضي الطفل معظم وقته في مراقبة الآخرين. يعلق على لعبهم ويتحادث معهم ولكن لا يشاركهم اللعب.
-لعب متوازي  Parallel: يلعب الطفل إلى جانب الآخرين او حتى وسطهم ولكن ليس معهم. قد يمارس اللعبة نفسها وقد الأدوات نفسها ولكن بشكل منفصل ومستقل عن جماعة اللعب.
-لعب متشارك  Associative: يلعب الطفل مع رفاقه في لعب غير منظم. ليس من قواعد للعب ويلعب على هواه بدون اعتبار لهدف اللعبة.
-لعب تعاوني  Cooperative: ينتظم الأطفال في لعب منظم يعين فيه قائد وأدوار أخرى. ويظهر الأطفال تعاوناً في وضع مشاريع والمشاركة في مهمات (مثال لعبة بيت بيوت حيث كل واحد يأخذ دوراً متجانساً مع أدوار الآخرين).

ثانيا: شروط اللعبكيف نسهّل لعب الأطفال؟ يحتار الأهل والمربون أحياناً في كيفية تأمين وضعيات مناسبة للعب أو في كيفية اختيار لعبة الأطفال. وفيما يلي بعض الأساليب المساعدة:
1- تأمين وضعيات اللعب:
-ترك الحرية للأطفال في اختيار اللعبة التي يريدونها، وعدم تدخل الأهل في فرض نوع معين من اللعب باعتبار أنه افضل. فاللعب يعبر عن اهتمامات آنية لدى الأطفال ومتغيرة تبعاً لحاجاتهم التي قد لا تكون ظاهرة لعيان الأهل.
-ترك الحرية للأطفال في تغيير اللعبة في اللحظة التي يريدون. فلا يضع الأهل والمربون غاية معينة للعبة يجب على الأطفال التوصل إليها. إذ أن الإفادة المرجوة من اللعب لا تنحصر في هدف محدد لها. بل هي مجموعة خطوات تشكل كل منها لحظة تعلم مفيدة وبالتالي يمكن اقتصار الطفل على جانب أو خطوة معينة منها، وليس من الضروري إتمامها.
-تأمين ادوات لعب متنوعة في محيط الطفل، بحيث يشعر بالرغبة بالتعامل معها واستكشافها ورميها او استبدالها حسبما يشاء.
-تأمين فرص التفاعل مع اطفال آخرين. وعدم فرض اللعب المشترك بينهم. فوجود الأطفال يثير لدى الطفل فرصة استكشاف ولعب وتفاعل حتى بدون أن يحدث بينهم أي تنسيق او تبادل.
-مشاركة الأطفال في اللعب أحياناً. ويمكن للبالغ أن يلعب إلى جانب الأطفال مستخدماً بعض ادوات اللعب بحيث يرى الطفل كيفية التعامل مع هذا الغرض او ذاك. وقد يلعب البالغ مع الأطفال فيأخذ دوراً معيناً ويدفع باللعبة في اتجاه معين بدون إلزام. وبالطبع فإن البالغ يجب ان يكون في مزاج جيد وهادئ لا ان يشارك بشكل إلزامي ومتعب.
-مراقبة لعب الأطفال. فالأهل والمربون يتعلمون كثيراً عن الأطفال في أثناء لعبهم. كما أن ملاحظتهم لبعض الأمور او إعطاء بعض الإشارات من شأنها تحفيز الأطفال وإثارة اهتمامهم لنواحي اللعبة.
2- تأمين اللعبة:
أية لعبة نشتريها للأطفال؟ ومن يختار اللعبة البالغ ام الطفل؟
أية لعبة جيدة أكثر للأطفال؟ ما هي معايير الجودة؟
أية لعبة مضرة للأطفال؟
هل نكثر من الألعاب أم نشتري الضروري منها؟
هل نضع كل الألعاب في متناول الأطفال ام نختار بعضاً منها في كل فترة؟
هل أعلم الأطفال المحافظة على ألعابهم أم أتركهم على سجيتهم؟
هذه أمثلة عن اسئلة كثيرة يطرحها الأهل والمعلمات على أنفسهم. وهي اسئلة تعبر عن مدى الاهتمام الذي يوليه هؤلاء لموضوع اللعب، والأهمية التي يعلقونها عليه. وبالطبع فإن الإجابة على هذه الاسئلة يجب ان تأخذ بالاعتبار الحاجات المختلفة للأفراد الصغار والكبار منهم. فليس هناك من طفل نموذجي أو اهل نموذجيين، بل أن الوضعيات تختلف بحسب السياق الذي تجري فيه أكان ظرفاً اجتماعياً ام اقتصادياً أم ثقافياً أم تربوياً.
أ - اختيار اللعبة:
حينما نود اختيار لعبة معينة فإن في خلفية ذهننا هناك طفل محدد. أي اننا نشتري اللعبة لهذا الطفل تحديداً، الذي نعرف في أي عمر هو، ما هي اهتماماته الحالية، وبالتالي فإن اختيار اللعبة سيكون محكوماً بهذه الاعتبارات. المبدأ الأبسط هو اختيار لعبة مسلية. واللعبة المسلية هي التي يستطيع الطفل اللعب بها. في البداية ينجذب الاطفال ناحية الألعاب التي تحفز النشاط الحركي ثم ينتقلون تدريجياً ناحية الألعاب التي تحفز الأنشطة الرمزية. قبل السنة الأولى من العمر، فإن الألعاب التحريكية وألعاب الحواس هي الأكثر تحفيزا للأطفال وبعد السنة الثانية سوف تبدا ألعاب التركيب البسيطة والعاب التقليد تصبح ذات جاذبية. ومن شروط اللعبة المسلية أن تكون مختلفة عما لدى الطفل وبالتالي فإن مبدأ التنويع في اختيار اللعبة يصبح هاماً. وحتى ولو لاحظنا أن الطفل منغمس في لعبة معينة لن يكون مناسباً شراء لعبة أخرى شبيهة بل من الأنسب شراء لعبة مختلفة، لأن الألعاب تتجمع ولا تستبدل الواحدة الأخرى.
 أما من يختار اللعبة؟ عموماً يكون من المناسب حينما يود الأهل شراء لعبة للأطفال أن يأخذوا أطفالهم معهم ليختاروها. وكثيراً ما يتعرض الأهل أو المعلمات داخل الصف لحالة يصر  فيها الأطفال على الحصول على لعبة معينة لا يكون بالإمكان تأمينها لهم، إما لأن لديهم مثلها في المنزل وبالتالي لا سبب لشرائها من جديد، او لارتفاع ثمنها أو لوجودها مع طفل آخر. وهنا لن يكون على هؤلاء سوى جذب الأطفال ناحية ألعاب أخرى، أو اتخاذ موقف حاسم بالرفض بعد شرح الأسباب الموجبة لهذا الرفض. فتلبية احتياجات الطفل هي اولوية للأهل والمربين ولكن يجب القبول بوجود حدود لكل طلب. ومما يسهل هذا الأمر أن الأطفال ينسون بسهولة، ويمكن أيضاً تعويضهم بسهولة.
ب- معايير جودة اللعبة:
إن اللعبة الجيدة هي التي تحفز الطفل على استكشاف قدرة كامنة لديه أو على تدعيم قدرة ناشئة أو على تطويرها. وبالطبع فإن بعض الألعاب البسيطة (مثل دمية من قماش) يمكنها أن تستخدم في أكثر من مهارة ولأكثر من ناحية وقد تبقى مفيدة مع مرور الوقت، لأن الطفل يتعلم استخدامات متنوعة للعبة. إن اللعبة البسيطة (مثل قطع ملونة قابلة للتركيب) يمكن أن تساعد الطفل في مراحل نمو مختلفة. أما اللعبة المعقدة والمبنية لهدف معين فإن من الواجب أن يكون هدفها متساوقاً مع مرحلة نمو الطفل، فإذا كانت أكثر تعقيداً مما يستطيع الطفل استيعابه أو أقل تعقيداً مما يستطيعه تصبح عديمة الجدوى.
ومن النافل القول هنا بأن ثمن اللعبة لا علاقة له بوظيفتها التربوية. ولكن من شأن الألعاب جيدة الصنع، إن من حيث تركيبها او من حيث إتقان ألوانها وقطعها أن تزيد من جاذبية اللعبة وديمومتها.
ونلخص معايير جودة اللعبة كما يأتي:
-متناسبة مع اهتمامات الطفل.
-محفزة لإمكانيات الطفل.
-جذابة.
-متينة الصنع.
- غير مؤذية.
ج- ضرر اللعبة:
 يرى بعض الباحثين أن ثمة مغالاة في تعظيم شأن اللعب، وأن اللعب ليس على الدوام سلوكاً مثالياً، فاللعب في الملاعب أو في الهواء الطلق قد يكون مؤذياً وقد يعرّض الأطفال للخطر. وبعض الأطفال الذي يشعرون بالخجل أو بشيء من الانطوائية لن يريحهم  ولن يساعدهم في نموهم أن يكونوا بين مجموعة كبيرة من الأطفال الأشقياء.
إن الميل لتمجيد اللعب والألعاب لا يمنعنا من النظر في الجانب السيئ منها. وهناك جوانب متعددة للسوء اولها ما هو سوء مادي كأن تكون مؤذية، من حيث سهولة الكسر أو وجود جوانب حادة فيها أو يدخل في تركيبها مواد مضرة. والجانب الثاني أن تكون مضرة من حيث الوظيفة، فبعض الألعاب غير المناسبة لمرحلة النمو يمكن ان تؤدي بالطفل إلى الشعور بالاحباط او العجز، بدلا من أن تعطيه الشعور بالانجاز كما هو مطلوب، أو تكون أكثر إثارة مما ينبغي للطفل في مرحلة معينة. وبعض الألعاب قد تكون مبنيَة على أهداف ليست متلائمة مع القناعات التي تلتزم بها الأسرة والمدرسة (مثل ألعاب الكمبيوتر العنيفة مثلا) أو بعض الألعاب الثمينة بحيث يشكل ثمنها حاجزاً أمام استمتاع الطفل بها.
ليست الألعاب شيئاً مبتذلا، إنها أغراض تحمل قيمة. واللعبة ليست امراً ضرورياً بذاتها، وإنما اللعبة تصبح ضرورية حينما تلبي حاجة معينة لدى الطفل. لذلك يمكن للطفل أن يختلق العاباً من اشياء تبدو تافهة وغير ذات قيمة، وهذا يشير إلى أنه من الأنسب ان نترك للطفل اختيار اللعبة التي يريد (من بين الألعاب المراعية لمعايير الجودة) وليس اللعبة التي نظن أنها مفيدة له.
د- كمية الألعاب:
 بما أن الألعاب جزء من لعبة السوق، فإن من شروط هذه اللعبة أحياناً خلق حاجات ليست حقيقية من أجل زيادة الطلب. وعلينا كأهل وكتربويين أن ننتبه إلى الآثار الضارة لمثل هذه العملية التي من شأنها أن تناقض الغاية من توفير اللعبة فبدلاً من أن تكون إشباعاً لحاجة تصبح رمزاً للحرمان من الألعاب المتوافرة والمعروضة خصوصاً في وسائل الإعلام.
إن كمية الألعاب ليس لها أي وظيفة تربوية في حال كانت تراكماً لما هو معروض. وبعض الأهل قد يماثل ما بين اللعب والمال، فكأنما كلما زادت ألعاب الطفل زادت ثروته. وإن كان هذا التماثل يصح على الصعيد المجازي حيث ان المزيد من خبرات الطفل تشكل له مخزوناً إضافياً للنمو والتعلم والفرح، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الناحية المادية. فالأطفال لا شأن لهم بالثروات او بالملكية المادية. إن الثروة الحقيقية تكمن في مدى شعور الطفل بالاحتضان وبالحب والرعاية، أما الشعور بالحسد والغيرة مما يملكه الآخرون فينجم عن حرمان نفسي أكثر منه مادي. قد يرغب الطفل في لعبة موجودة لدى طفل آخر، إما لأنها جذبته او لأنه يود أن يكون في وضعية الطفل الآخر، ولكن ليس من الضروري ان يؤدي عدم حصول الطفل على مبتغاه إلى مشاعر حرمان مستقرة. وبالطبع لن يستطيع الأهل، مهما بلغت قدراتهم المادية والعاطفية من تأمين كل حاجات الأطفال. لذلك من الأفضل الاكتفاء بما يمكننا تأمينه وبما نرى أنه من المفيد تأمينه.
ولا ننسى أن النزعة الاستهلاكية تنشأ منذ الصغر، ولا يجوز لنا أن نعمل على تدعيم هذه النزعة تحت حجج تربوية غير مبررة، أي إشباع حاجات الطفل. إنها فكرة طوباوية وغير قابلة للتحقق، وثمة خطر شديد بأن تنقلب إلى عكسها. فبدلاً من أن نشبع هذه الحاجات، نقوم بزيادتها وتكبير حجمها حتى تصبح هي الموضوع الأساسي وليس اللعبة بذاتها. وهي تعبر عن شعور خفي بالذنب لدى الاهل لا يخفف منه سوى الوعي بأن شيئا من الحرمان والنقص الماديين أحياناً يكون سبباً محفزاً للإبداع وللطموح. أما الحرمان الصعب او المدمر فهو الذي يتعلق بالمشاعر والعواطف. فلا يقاس حب الأهل بمدى ما يجلبونه للطفل وإنما أكثر بمدى ما يراعونه ويهتمون لأمره.
ه- عرض الألعاب:
 إن كيفية عرض الألعاب يؤثر في موقف الطفل من اللعبة وطريقة لعبه، ومثلما هي طريقة أي عرض فإنه يحتوي على قيمة معينة إما ترفع من أهمية اللعبة، أو بالعكس تخفض منها:
- في البيت: كثيراً ما يتساءل الأهل إن كان  عليهم وضع كل الألعاب بمتناول الطفل أم إظهار البعض وإخفاء البعض الآخر حتى وقت آخر، وهم يخشون ان يكون عرض الألعاب على نحو دائم سبباً للتخفيف من جاذبيتها.  وفي الواقع إذا ما اتبع الأهل مبدأ الكفاية والفائدة في اختيار الألعاب فإن هذه الخشية تصبح غير ضرورية. ويمكن في هذه الحالة عرض الألعاب الموجودة بكمية  معقولة أمام الأطفال وفي متناول أيديهم بحيث يختارون ما يلائم اهتمامهم الآنية. وننبه إلى أن وجود أعداد هائلة وكثيرة التنوع وموضوعة بطريقة مزدحمة لن يجعل الطفل قادراً على تمييز لعبته المفضلة.
إن عرض الألعاب المتوافرة، حتى ولو كانت قليلة، بطريقة يمكن للطفل ملاحظتها وتمييزها يزيد من جاذبيتها. وبالتالي ليس من الضروري في هذه الحالة انتقاء ألعاب محددة لفترة معينة وإخفاء الألعاب الأخرى إلا في حال زادت كمية الألعاب إلى حد عدم التمكن من عرضها بشكل مريح. وقد تخفي الأم بعض الألعاب لظنها أنها أنسب لعمر لاحق، ولكن قد يفوتها أن بعض الاهتمامات تنشأ في مرحلة وتضمحل لتحل محلها اهتمامات اخرى. لذلك من الانسب أن نترك التعبير عن هذه الاهتمامات للطفل نفسه، الذي هو صاحب الحق في هذه الألعاب وليس غيره.
ومن الألعاب التي تثير اهتمام الأطفال بشكل خاص في مرحلة الطفولة المبكرة لعبة "بيت بيوت" ويميل الأطفال فيها إلى تنظيم مساحة خاصة بهم تأخذ شكل الجدارن والسقف، كأن يقومون باستخدام "شرشف" بمثابة سقف يحدد لهم المساحة الداخلية او "خيمة" يتصرفون داخلها كما لو أنهم في منزلهم الخاص. ومن المناسب هنا أن يتمتع الأهل برحابة صدر إزاء احتلال الأطفال لمساحة من المنزل للتصرف فيها كما يحلو لهم، او إزاء استخدام بعض أغراض المنزل. إن هذه اللعبة مركزية في حياة الأطفال، فهي تساعد من جهة على تعلم الدور الوالدي ومن جهة أخرى على إظهار بعض المواقف النفسية التي تعتمل في داخل الأطفال. إن رؤية الأطفال منهمكين في هذه اللعبة مؤشر على سلوك تكيفي إيجابي، لذلك يجب على الأهل تأمين الظرف المناسب لها، إن من حيث عدم التدخل القسري أو من حيث مساعدة الأطفال على الالتقاء بأطفال آخرين.
إن وجود مساحة خاصة للأطفال، بغض النظر عن صغرها او اتساعها،  يضعون فيها ألعابهم وأغراضهم، وأيضاً بغض النظر عن عددها او حجمها، من شأنه أن يدعم "أنا" هؤلاء الأطفال وينمى شعورهم بأنهم ذوو كيان خاص. وفي هذا المنحى أيضاً نذكر انه من المناسب أن يكون لدى الطفل جارور معين له مفتاح، يضع فيه أغراضه، مما يشعر الطفل بالاستقلالية.
في الصف: تختلف مساحة الصفوف بين مدرسة وأخرى. ولكن مهما صغرت المساحة يفترض وجود حيز من أجل لعب الأطفال. والكثير من المناهج الجديدة لتعليم الروضة تعتمد فكرة الزوايا التي تتلاءم مع الاتجاه لإدراج اللعب في التعليم. وثمة زوايا أساسية في كل صف، منها زاوية البيت او المطبخ، وزاوية التركيب ونشاطات الرياضيات، وزاوية المكتبة، وزاوية الدمى. وفيما يلي ننقل (بقليل من التصرف) جدولا  يضم عدداً من  الزوايا التعليمية والمفاهيم التي تساعد على تعلمها(غير متوفّر)
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الزوايا ليست حصرية وهنالك العديد من الزوايا الأخرى. ويمكن لكل مدرسة اعتماد الزوايا التي تراها مناسبة، ولكن يبقى الشيء الأساسي هو وجود حيز للعب الحر غير المبرمج. ومن المهم أن يكو جو الصف مريحاً وحميماً بحيث يشعر الأطفال بأن الأغراض الموجودة فيه هي لهم وأن لديهم حرية التصرف ضمن الحدود المعينة من قبل المعلمة. ومن المناسب أن يحتوي الصف على ألعاب كافية تقليلاً من منازعات الأطفال حولها. ومن الأجدى اقتصادياً للمدرسة شراء الألعاب ذات الجودة والمتانة والقابلة للإستعمال لأعوام دراسية متعددة. بالمقابل فإن بعض الأدوات البسيطة وغير المكلفة أو حتى المجانية يمكن أن تكون أهميتها التربوية كبيرة، من قبيل علب فارغة، كرتون، قصاصات من قماش، عيدان من الخشب، أصداف...الخ .
و-المحافظة على الألعاب:
يميل بعض الأهل والمعلمات لتعليم الأطفال المحافظة على الممتلكات، وهو هدف تربوي لا غبار عليه. ولكن ثمة بعض الاعتبارات يجب أخذها بالحسبان في هذا الصدد:
-إن فكرة الملكية لا تنشا لدى الأطفال قبل عمر الثانية والنصف تقريباً. لذلك يمكن للطفل قبل هذا العمر أن يأخذ أو يعطي لعبته دون أي شعور لا بالامتلاك ولا بالخسارة. ولكن لما كان حس الملكية لا ينشأ بين ليلة وضحاها وإنما يجري تعلمه، فإنه من المناسب بدءاً من حوالي السنة والنصف القول للطفل بأنه هذا الغرض لك وذاك ليس لك، حتى ولو لم يفهم ذلك جيداً. ولكن لنقم بذلك بسهولة وبدون تضخيم للمسألة، ولنسمح له بالتخلي أحياناً عن لعبة له أو بأخذ لعبة أعجبته في حال لم يتمسك بها الطفل الآخر.
-إن بعض الألعاب تقوم وظيفتها على استهلاكها، إما بالتكسير او التفكيك أو غير ذلك. من هنا يجب ان نقبل بهدر بعض الأشياء، لأن في هذا الهدر تحديداً يكمن تعلم الطفل واستفادته من اللعبة. فمن وظائف اللعب استخراج طاقات حركية وانفعالية، وعلينا عدم حرمان الطفل منها.
-إن تعليم الطفل ترتيب أغراضه يجعله ينتبه لها ويهيئ له تعلم المحافظة عليها. ويمكن أن يجري الأمر بصيغة مسلية كأن يتشارك الصغار والأهل أو المعلمة في إعادة الألعاب إلى الصندوق او الرفوف، فيكون تعلم كيفية ترتيبها هو بذاته شكلاً من اشكال اللعب بها. ثم أن المشاركة بترتيب الأغراض هو فعل تربوي بذاته من حيث أنه يؤدي بالأطفال إلى تعلم ما يفيد إحساسهم بمواطنيتهم لاحقاً: إنه أمر ممتع أن يعيش الأشخاص في مكان نظيف ومريح. ويعلمهم على تحمل المسؤولية الاجتماعية. من هنا ينصح التربويون أن يجري تدريب الأطفال على ترتيب أغراضهم بأنفسهم، وطبعاً وفقاً لقدراتهم.

وختاماً لهذا الفصل يمكننا القول بأن اللعب هو عالم الطفل، الذي فيه ومن خلاله يتعلم عن نفسه كما عن الآخرين، ويتفاعل عاطفياً وذهنياً مع المحيطين به. إنه المجال الذي يجب أن تكون للطفل فيه كلمته وأن يشعر بالمتعة وأن يكبر وينضج وفقاً لإيقاع نموه الخاص. وبالتالي فإن تدخلنا في هذا العالم يجب أن يكون سلساً ومساعداً وليس آمراً وإلزامياً. ومن المفيد أن نراقب هذا العالم، لأننا نتعلم الكثير عن أطفالنا وهم يلعبون. 

إرسال تعليق

0 تعليقات