جلسَ الجَدُّ في غُرفته ينتظرُ حمزةَ؛ كي يقصَّ عليه قصَّة نبيِّ الله نوح، تأخَّر حمزةُ قليلاً، وعندما همَّ الجَدُّ بالقيام لِيَبْحَثَ عنه، دَخَل حمزةُ مسرعًا.
- السلام عليكم يا جدِّي.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، خفتُ عليكَ يا حمزةُ، أين كنتَ؟
- شكرًا لك يا جدِّي، سكبتُ بعض الماء في كأس، ووضعتها في حديقة المنزل.
- ولمَ سكبتَ الماء في الكأس، ووضعتها في حديقة المنزل يا بنيّ؟
- لتشرب العصافير إذا عطشت.
- شكرًا لك يا بنيّ، واعلم أنَّ الله سَيُثِيبُكَ على ذلك؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - في الحديث : ((في كل كبدٍ رطبة أجر)).
- يا فرحتي، سأحرص على تقديم الماء للعصافير كلَّ يوم.
- بارك الله فيك يا بنيّ.
- والآن، كلِّي آذانٌ صاغيةٌ لك يا جدِّي.
- قصة اليوم عن نبيِّ الله نوح - عليه السلام - وُلِدَ بعد وفاة آدم - عليه السلام - بمائة وست وعشرين سنة، ونوح - عليه السلام - هو أول الرُّسل إلى الناس، وقومه هم جميع الناس في وقته.
- هل تقصد - يا جدِّي - أنَّ الناس جميعهم في ذلك الزمان كانوا موجودين في مكانٍ واحد؟
- نعم يا حمزة، لم يكن على الأرض قومٌ غير قوم نوح، وأرسل الله نوحًا إلى قوم يقال لهم: بنو راسب، في العراق، على مقربة من مدينة الكوفة حاليََّا، حيث دعاهم إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأصنام؛ قال - تعالى -: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [نوح: 1 - 4].
- وهلِ استجاب الناس لدعوة نوح - عليه السلام -؟
- لم يستجِبْ قومُ نوحٍ لدعوته، على رغمِ أنه كان يدعوهم في الليل والنهار، وكان يدعوهم في السرِّ والعَلَن، واستخدم معهم أساليبَ الترغيب والترهيب.
- وماذا كانت حجّتهم يا جدِّي؟
- كان هناك رجال صالحون من قوم نوح، وهم: ودّ، وسُواع، ويَغُوث، ويَعُوق، ونَسْر، وبعدما مات هؤلاء الرجال أوحى الشيطان إلى قومهم أن ينصبوا إلى مجالسهم، التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، ويسموها بأسمائهم، وعندما انتسخَ العلمُ، وعمَّ الجهل بين الناس، عبدوا هذه الأنصاب، وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب من بعد؛ قال - تعالى -: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 21 - 23].
- وماذا عن زوجته وأبنائه يا جدِّي، أَلَمْ يؤمنوا به؟
- لقد آمَنَ به أبناؤه سام، وحام، ويافث، ولكنّ يام (كنعان)، لم يؤمن بنوح - عليه السلام - وكان من المُغرقين.
- وماذا فعل نوح بعد ذلك يا جدِّي؟
- ظل نوح يدعو قومه مدَّة 950 سنة؛ ولكن من دون فائدة، ولم يؤمن به إلاَّ نحو ثمانين شخصًا، عندئذٍ دعا نوح على قومه بالهلاك؛ لأنهم أصرُّوا على الكفر؛ قال - تعالى -: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26].
- وما قصَّة السفينة يا جدِّي؟
- أوحى الله إلى نوح أن يصنعَ سفينةً لينجوَ بها، هو وَمَن آمنَ معه، فبدأ نوح بصناعة السفينة، ووضع في السفينة من كل جنس ذكرًا وأنثى.
- ولِمَ جعل نوح من كل جنس ذكرًا وأنثى، يا جدِّي؟
- حتى تتزاوج هذه المخلوقات، ولا تنقرض بعد الطوفان.
- حسناً يا جدِّي، أكمل.
- أتمَّ نوح بناءَ السفينة، وكان قومُه يسخرون من عمله في النجارة، حذَّرَهم نوحٌ - عليه السلام - مِن عقاب الله لهم، ولكنهم لم يهتمُّوا بذلك، وعندما فار الماء، وخرج من التنور بدأَ الكافرون يصعدون التلال والجبال، والماء كان يرتفع ويرتفع، بينما نجا نوح ومَن معه منَ المؤمنين على ظهر السَّفينة، وعندما شاهَدَ نوح ولده يحاول الاعتصام بأحد الجبال أشفق عليه وناداه: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42].
ولكنَّ ولد نوح أصرَّ على كُفْره، وقال لوالده: {سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، فقال له نوح: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 43].
وهكذا نجَّى الله نوحًا وقومَه، وأغرقَ الكافرين، ورَسَتِ السفينة على جبل الجوديِّ في العراق.
ولكنَّ ولد نوح أصرَّ على كُفْره، وقال لوالده: {سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، فقال له نوح: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [هود: 43].
وهكذا نجَّى الله نوحًا وقومَه، وأغرقَ الكافرين، ورَسَتِ السفينة على جبل الجوديِّ في العراق.
- شكرًا لك يا جدِّي، إنها قصَّة ماتِعة؛ ولكنني تمنّيت من كنعان أن يطيعَ والده؛ لأن الله - تعالى - أَمَرَنا بطاعة الوالدين، والإحسان إليهما.
- هذا صحيح يا حمزة، بارك الله فيك يا بنيّ، فأنت ولد بارٌّ، لقاؤنا بعد غدٍ يا بنيّ - إن شاء الله، ولكن فاتنِي أن أذكر لك فوائد الاستغفار.
- وهل للاستغفار فوائد يا جدِّي؟
- بلى يا بنيّ، ومن فوائدها: مغفرة الذنوب، وكثرة الأموال والأولاد، وإنزال المطر، وكثرة الخيرات والبركات، قال - تعالى -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 11، 12].
- شكرًا لك يا جدِّي؛ ولكن أريد القصَّة غدًا، لا بعد غدٍ.
- سأذهب غدًا لزيارة جارنا في المستشفى، وسأشتري لأختكَ سارة هديّةً؛ لأنها أتمَّت حفظ الجزء الثامن والعشرين من القرآن الكريم.
- حسنًا يا جدِّي، ولا تنسَ أن تحضرَ لي هدية أيضًا.
- سأحضر لك هديةً - إن شاء الله.
0 تعليقات